نساء يساعدن غيرهن على الخروج من دائرة الفقر – خطوة بخطوة إلى الأمام
تمويل رائدات الأعمال في جمهورية قيرغيز يوفر الاستقرار المالي للأسر المعيشية ويساهم في إعادة تشكيل اقتصاد البلاد.

في الساعة الثانية صباحًا في شوارع باليكتشي الهادئة، وهي بلدة صغيرة في جمهورية قيرغيز، كان معظم الناس يعانقون أحلامهم وهم يغطون في سبات عميق.
لكن الأمر بالنسبة لألتيناي أرزيماتوفا، وهي أم لثلاثة أطفال تبلغ من العمر 34 عامًا وغير متزوجة حالياً، فإن اليوم قد بدأ بالفعل في تلك الساعة.
تمتلك أرزيماتوفا متجرًا للخياطة يأتيه الكثير من الزبائن في المدينة. وبالرغم من هذا الوقت المظلم من الليل، إلا أنها تبدأ في تنظيم طلبات زبائنها وما يلزمها من مواد الخياطة بحيث يكون كل شيء جاهزًا لفريقها من العاملات عندما يأتين للعمل في الصباح. وبعد هذه الموجة من النشاط قبل الفجر، تمنح أرزيماتوفا نفسها استراحة قصيرة من الساعة 5 حتى الساعة 8 صباحًا، استعدادًا ليوم عمل كامل ينتظرها.
وقد حافظت أرزيماتوفا على هذا الجدول منذ عام 2019، عندما حصلت على قرض بقيمة 100 ألف سوم قرغيزي (تعادل 1127 دولارًا) من مصرف بايليك للتمويل. في ذلك الوقت، كانت تمتلك ثلاث ماكينات خياطة فقط، لكنها الآن تمتلك 20 ماكينة كما أصبح لديها 15 عاملة. تقول أرزيماتوفا: "أنا ممتنة جدًا لمصرف بايليك للتمويل، فبفضل المساندة التي قدموها إلي، تمكنت من إنشاء متجري الخاص ليكون مستقرًا من الناحية المالية، كما أنني تمكنت من قضاء المزيد من الوقت مع أطفالي".
لقد غيرت ملكية المتجر حياتها، وهو عبارة عن حاوية شحن تم تحويلها إلى متجر في صف طويل من المتاجر المماثلة له تمامًا. وقبل افتتاح مشروعها الخاص، كانت أرزيماتوفا تعمل في متجر للخياطة في العاصمة بيشكيك، بينما بقي أطفالها الصغار مع أقاربها في بلدتها الصغيرة. وكانت تسافر كل يوم سبت لساعات من أجل قضاء الليل مع أطفالها، والاستمتاع بصحبتهم حتى رحيلها في اليوم التالي. وبعد تعرضها لحادث سيارة خطير وقضائها فترة نقاهة طويلة، قررت أرزيماتوفا أنها بحاجة لقضاء المزيد من الوقت مع أطفالها، لذلك عادت إلى باليكتشي وتقدمت بطلب للحصول على قرض لبدء مشروعها الخاص.




ولم تكن المهمة بسيطة، حيث تقضي التقاليد بأن تبقى المرأة في جمهورية قيرغيز داخل أسرتها المعيشية بدلاً من البحث عن وظائف خارجها، لذلك لا تملك سوى القليل من الأراضي والممتلكات الخاصة بها. ونتيجة لذلك، يصعب على المرأة هناك الحصول على التمويل بسبب عدم كفاية الضمانات، وضعف التاريخ الائتماني، والمخاطر الائتمانية العالية المتوقعة. وبالرغم من أن منشآت الأعمال متناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة تلعب دورًا مركزيًا في البلاد - تسهم بنسبة 42% من إجمالي الناتج المحلي للبلاد - فإن المنشآت التي تقودها نساء لا تمثل سوى 35% من هذه المنشآت. وترى نسبة 48% من سيدات الأعمال في جمهورية قيرغيز، وخاصة من ينتمين منهن إلى المناطق الريفية، أن الحصول على التمويل يشكل عقبة رئيسية أمام فتح منشآت الأعمال وتشغيلها.
تقول تشينارا مولدوزانوفا، الرئيس التنفيذي لمصرف بايليك للتمويل الذي منح القرض لأرزيماتوفا: "القليل من المؤسسات المالية هي التي تدرك الإمكانات غير المستغلة لرائدات الأعمال في بلدنا...إن المرأة القيرغيزية تظهر فطنة مالية استثنائية، حيث توجه دخلها نحو رفاهية أسرتها. ونحن نعطي الأولوية لتمويل النساء لأنهن يشعرن بالمسؤولية ويسددن القروض دائمًا في موعدها المحدد".
"أنا ممتنة جدًا لشركة بايليك للتمويل، فبفضل المساندة التي قدموها إلي، تمكنت من إنشاء متجري الخاص ليكون مستقرًا من الناحية المالية، كما أنني تمكنت من قضاء المزيد من الوقت مع أطفالي".
- ألتيناي أرزيماتوفا

تكييف الخدمات المصرفية لتتوافق مع احتياجات رائدات الأعمال
تبني السياسات الجديدة من مؤسسات التمويل الأصغر، مثل بايليك للتمويل، على هذا الاعتقاد وتساعد رائدات الأعمال على النجاح.
وتعد بايليك للتمويل، والتي تأسست في عام 2011، ثالث أكبر مؤسسة تمويل أصغر في جمهورية قيرغيز. وتقع 94 في المائة من مكاتبها البالغ عددها 50 مكتبًا في مواقع إستراتيجية في مناطق نائية للاستجابة للاحتياجات المالية لمنشآت الأعمال الصغرى والصغيرة والمتوسطة.
وتستجيب مؤسسات التمويل الأصغر، مثل بايليك للتمويل للفرص التجارية الكبيرة غير المستغلة في جمهورية قيرغيز. وتظهر أبحاث مؤسسة التمويل الدولية أن المؤسسات المالية يمكن أن تشهد نموًا بنسبة 638% في إيراداتها السنوية من 67.6 مليون دولار إلى 431.5 مليون دولار عن طريق اعتماد نهج مخصص لسوق تمويل رائدات الأعمال. ووفقًا لما ذكرته سيرين أوزان، وهي خبيرة استثمار بمؤسسة التمويل الدولية وتعمل مع المؤسسات المالية في آسيا الوسطى، فإن هذا النهج يستلزم فهم ومعالجة الاحتياجات والقيود الفريدة لرائدات الأعمال، مما يخلق نموذجًا للخدمات المالية أكثر شمولاً وابتكارًا.
وفي مختلف أنحاء آسيا الوسطى، كثفت مؤسسة التمويل الدولية جهودها لتوسيع نطاق الخدمات المالية وقدرة منشآت الأعمال التي تقودها نساء على النفاذ إلى الأسواق. ومنذ عام 2018، استثمرت المؤسسة 155 مليون دولار في 15 مؤسسة مالية محلية في جميع أنحاء المنطقة.
وقد اتبعت بايليك للتمويل، وهي شريك لمؤسسة التمويل الدولية، نهجًا استباقيًا لإعداد برامج متخصصة ومصممة خصيصًا لتلبية الاحتياجات الفريدة لمنشآت الأعمال الصغرى والصغيرة والمتوسطة التي تقودها نساء. ويتم دعم هذه البرامج عن طريق المشروع الاستشاري لتوفير الخدمات المصرفية للمرأة في آسيا الوسطى التابع لمؤسسة التمويل الدولية. وبالإضافة إلى المساندة المالية التي تقدمها شركة بايليك للتمويل، فإنها توفر لعملائها من النساء خدمات التوجيه والإرشاد. وتعد صناعة الملابس واحدة من مجالات التركيز الخاصة، ويرجع ذلك إلى زيادة عدد العملاء في صناعة الملابس "لأن منتجاتنا تلبي احتياجاتهم كما أن العملية تتسم بالسهولة"، وذلك وفقًا لما قالته تشينارا مولدوزانوفا.



مواجهة الفقر بحلول القطاع الخاص
أصبح توفير التمويل لمنشآت الأعمال الصغرى والصغيرة والمتوسطة - وتقوية دور القطاع الخاص بشكل عام - أكثر أهمية من أي وقت مضى في جمهورية قيرغيز. ذلك لأن الجائحة وجهت ضربة قاسية للنمو الاقتصادي كما يلي: في عام 2020، انكمش إجمالي الناتج المحلي للبلاد بنسبة 8.4 في المائة. وارتفع معدل الفقر من 16.2 في المائة في 2020 إلى 18.3 في المائة في 2021. وكانت المناطق الريفية، التي يقطنها 63 في المائة من سكان البلاد، هي الأشد معاناة. وقد أثبت الاقتصاد القيرغيزي حتى الآن أنه أكثر مرونة مما كان متوقعًا في مواجهة الآثار غير المباشرة للغزو الروسي لأوكرانيا. وتشير تقديرات البنك الدولي إلى أنه من المتوقع أن يتراجع نمو إجمالي الناتج المحلي للبلاد إلى 3.5 في المائة عام 2023.
ووفقًا لنورزان أزيموفا، المديرة التنفيذية لمنتدى المرأة في كوراك، فإن إمكانات رائدات الأعمال في دفع عجلة التعافي الاقتصادي تُعتبر قوية. تقول أزيموفا: "تتمتع النساء بالقدرات والمعرفة ومجموعة المهارات اللازمة لفتح وإدارة منشآت الأعمال...فلديهن رغبة عميقة لفعل ذلك، وذلك بالرغم من العقبات التي تعترض طريقهن مثل الوصول إلى التمويل".

نورزان أزيموفا، المديرة التنفيذية لمنتدى المرأة في كوراك
نورزان أزيموفا، المديرة التنفيذية لمنتدى المرأة في كوراك
وتقوم الجمعيات المحلية مثل كوراك بتثقيف النساء حول خياراتهن المالية، وتوجيه رائدات الأعمال لصقل أفكارهن، وتقديم دورات تدريبية حول كيفية إدارة الأعمال. تقول أزيموفا: "نحن نغطي جميع قطاعات الاقتصاد، مع التركيز بشكل خاص على تمكين المرأة في المناطق الريفية...وإذا امتلكت المرأة المزيد من المعرفة، فإنني أعتقد أنه يمكنها تحقيق الدخل باستغلال مهاراتهن بشكل فعال وتحقيق النجاح في مجال الأعمال".
إعادة تصور التمويل
لطالما رغبت نازغول أتوكوروفا وزوجها في بدء مشروع خاص بهما واستخدام الدخل للاستثمار لصالح مستقبل أطفالهما. ويدير الزوجان، اللذان عملا في مخبز فرنسي في روسيا لمدة خمس سنوات، مخبزًا منزليًا يبيع الحلوى التقليدية في حي أرشا-بيشيك جنوب غرب العاصمة. وقد بدأ الزوجان مشروعهما بمدخراتهما الشخصية ثم تقدما بطلب لمؤسسة إليت كابيتال للحصول على قرض بقيمة مليون سوم قرغيزي (تعادل 11313 دولارًا).

كورجيك، بسكويت مَحلي شهير.
كورجيك، بسكويت مَحلي شهير.
وبعد شراء معدات إضافية لصناعة المخبوزات، فإنهما يستعدان للتوسع عن طريق تقديم الكرواسون - وهو تخصص زوجها. كما أنهما يخططان للتقدم بطلب للحصول على براءة اختراع لحماية مشروعهما التجاري. وبهدف الاستفادة من الأسواق كبيرة الحجم، وضعت أتوكوروفا وزوجها نصب أعينهما هدف التعاقد للبيع بالجملة مع سلاسل السوبر ماركت البارزة ومنها جلوباس الذي يعد أحد أكبر وأبرز تجار التجزئة في البلاد.
وبعد شراء معدات إضافية لصناعة المخبوزات، فإنهما يستعدان للتوسع عن طريق تقديم الكرواسون - وهو تخصص زوجها. كما أنهما يخططان للتقدم بطلب للحصول على براءة اختراع لحماية مشروعهما التجاري. وبهدف الاستفادة من الأسواق كبيرة الحجم، وضعت أتوكوروفا وزوجها نصب أعينهما هدف التعاقد للبيع بالجملة مع سلاسل السوبر ماركت البارزة ومنها جلوباس الذي يعد أحد أكبر وأبرز تجار التجزئة في البلاد.

رسم من ابنة نازغول أتوكوروفا.
رسم من ابنة نازغول أتوكوروفا.



عمال في محطة غسيل السيارات التابعة لغولبايرا بوتالييفا.
عمال في محطة غسيل السيارات التابعة لغولبايرا بوتالييفا.
وتركز رائدات الأعمال الأخريات بنفس القدر على النمو، فغولبايرا بوتالييفا تتمتع برغبة في مشاريع الأعمال واستخدمت لذلك مدخراتها الشخصية في افتتاح متجر للخياطة المنزلية وبدأت نشاطها بخمس من العاملات في عام 2010. ونظرًا لثبات الطلب على منتجاتها فقد زاد هذا العدد ليصبح الآن 22 امرأة عاملة لديها. ومع ازدهار مشروعها في الخياطة، وجدت بوتالييفا نفسها تفكر في قطعة أرض فارغة مجاورة لمتجرها. كما اقترح ابنها فتح مشروع لغسيل السيارات لأنه كان حلمه دائمًا. ونظرًا لأن محل بوتالييفا يحتل موقعًا متميزًا بمنطقة كثيفة الحركة والازدحام في توكموك، ويقع على مشارف العاصمة، فقد أدركت هي وزوجها هذه الإمكانات.

عمال في محطة غسيل السيارات التابعة لغولبايرا بوتالييفا.
عمال في محطة غسيل السيارات التابعة لغولبايرا بوتالييفا.
وبعد أن شاهدت إعلانات البنك القيرغيزي للاستثمار والائتمان التي تروج لأسعار الفائدة المنخفضة على قروضه، قررت بوتالييفا التحدث مع أحد مسؤولي الإقراض. وتتذكر قائلة: "كانت عملية تقديم الطلبات سهلة وسريعة". وفي غضون أسبوع من تقديم طلبها، حصلت بوتالييفا على قرض بقيمة مليون سوم قرغيزي (تعادل 11272 دولارًا) من البنك القرغيزي للاستثمار والائتمان. ومع تنفيذ المشروع الجديد، وسعت بوتالييفا قوتها العاملة بتعيين ستة موظفين إضافيين لغسيل السيارات. وأطلق ابنها على المشروع اسم "الحبار" بسبب ارتباط هذا الحيوان بالماء.
ومع بقاء عام واحد فقط على سداد القرض بالكامل، تعتزم بوتالييفا السعي للحصول على تمويل إضافي لتوسيع متجر الخياطة إلى الطابق الثاني من مغسلة السيارات. تقول بوتالييفا: "حصلنا على قرض كبير على مسؤوليتنا، لكننا تمكنا من استخدامه بحكمة وفعالية... إنني ممتنة جدًا لهذه المؤسسات المالية لإتاحة مثل هذه الفرص من أجل تغيير حياتنا".
فتح مسارات للخروج من دائرة الفقر
استثمرت مؤسسة التمويل الدولية في كلٍ من بايليك للتمويل وإليت كابيتال والبنك القرغيزي للاستثمار والائتمان من خلال منصة قاعدة الهرم التي تدعمها تسهيلات التمويل المختلط والعملات المحلية التي تتيحها نافذة القطاع الخاص التابعة للمؤسسة الدولية للتنمية. ومنصة قاعدة الهرم، التي أطلقت في الأصل في إطار استجابة المؤسسة لجائحة كورونا، توفر رأس المال لمقدمي الخدمات المالية الذين يخدمون منشآت الأعمال الصغيرة والمؤسسات غير الرسمية والأسر المعيشية منخفضة الدخل، كما تلبي الاحتياجات المالية للمستبعدين تاريخيًا من القطاع المصرفي الرسمي.
وحظي المشروع الاستشاري بدعم من مبادرة تمويل رائدات الأعمال التي خلقت الوعي في الأسواق من خلال دراسات عن منشآت الأعمال الصغرى والصغيرة والمتوسطة المملوكة للنساء، وأنشطة تبادل المعارف، فضلاً عن تقييم القدرات الداخلية للمؤسسات المالية التي تركز على تقديم خدماتها لرائدات الأعمال.
ووفقًا لما ذكره فيبكه شلومر، المدير الإقليمي لتركيا وآسيا الوسطى بمؤسسة التمويل الدولية، فإن خلق فرص العمل من خلال منشآت الأعمال الصغيرة والمتوسطة يمهد طريقًا مباشرًا للخروج من دائرة الفقر. ويعلق بقوله: "تلعب منشآت الأعمال الصغيرة والمتوسطة دورًا بالغ الأهمية في دفع عجلة النمو والابتكار في الاقتصادات النامية مثل جمهورية قيرغيز. فهي تخلق فرص العمل وتزيد القوة الشرائية، مما يغذي التنمية الاقتصادية. وينبغي أن نعيد التفكير في كيفية انتقال الأموال إلى البلدان الأشد فقرًا. فمساندة منشآت الأعمال الصغيرة لا يساعدها على النمو فحسب، بل يحارب الفقر أيضًا في البلدان التي تعاني المصاعب."
وبالنسبة لأتوكوروفا، فإن الحد من الفقر على مستوى المجتمع المحلي هو الهدف النهائي، كما أنها تشجع النساء الأخريات على تطوير مشروعاتهن الخاصة. وتقول:
"يمكن للمرأة أن توفر فرص عمل للنساء الأخريات ... ومن خلال ممارسة أنشطة الأعمال، يمكن للمرأة المساهمة في اقتصاد البلاد".

نشر في أكتوبر/تشرين الأول 2023